منذ القدم كان آل البيت عنواناً للتقديس والإجلال من قبل المسلمين وهم الأشخاص الذين ينحدرون من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم آله الطاهرين، وهم جماعة مرموقة ومحبوبة في التاريخ الإسلامي، وقد أوصي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالتقرب من آل البيت والتعلق بهم، وذلك في الحديث الشهير في كتاب سنن الترمذي (أبو عيسي الترمذي) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي،»
أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ؛ كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ⦗3788⦘ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، ومن هنا تبدأ مفاهيم التوقير والتقديس لآل البيت في الثقافة الإسلامية، يعد التوقير أمراً مهماً في الإسلام حيث يجب علي المسلمين أن يحترموا ويقدروا آل البيت ويعدونهم مصدراً للهداية والعلم ويتضمن التوقير احترام حقوق أل البيت والإعتراف بفضلهم ومناقبهم والصلاة عليهم والتعبير عن حبهم وتقديرهم ويجب علي المسلمين أن يتعلموا عن آل البيت ويعرفوا قصصهم وتعاليمهم وأن يتبعوا أخلاقهم وسيرتهم الحسنة، ويمكن أن يصل التقديس لآل البيت إلي مستوي زائد حيث يعدونهم معصومين من الخطأ أو الإنحراف عن الحق وهذا التوجه يمكن أن يؤدي إلي تحجيم دور المسلمين الآخرين وتقليل قدرتهم علي التفكير النقدي واتخاذ القرارات المستقلة ويجب أن يتم التعامل مع آل البيت بتوازن وعدم المبالغة في التقديس حتي لا يؤثر ذلك علي الوحدة والتعايش السلمي في المجتمع الإسلامي.
تعد مصر من أهم الدول الإسلامية التي تحظي بتاريخ غني ومترابط مع آل البيت، فقد شهدت إنشاء وتطور الدولة الفاطمية في القرون الوسطي، ومنذ ذلك الحين احتلت آل البيت مكانة مرموقة في قلوب المصريين، فهم يرون في آل البيت القدوة الحسنة والمثال النبيل للأخلاق والتفاني في خدمة الإسلام والمسلمين، وتحظي زيارة ضريح السيدة زينب بنت علي في القاهرة بشعبية كبيرة، حيث يتوافد إليها المصريون والزوار من مختلف أنحاء العالم للتعبير عن تقديرهم وتبجيلهم، وذكر في كتاب “ذكريات” للمؤلف علي الطنطاوي (في مصر ميل إلى آل البيت لعلّه باقٍ من أيام العبيديّين الذين تسمّوا كذباً بالفاطميّين أن أهل مصر يحبّون آل البيت حباً قد يصل أحياناً إلى الغلوّ، تراه عند قبر الحسين وما يصنعون عنده وما يصنعون عند قبر السيدة زينب وما في مصر من مشاهد منسوبة إلى أهل البيت) ” وتحتل أضرحة آل البيت مكانة خاصة فى نفوس الشعب المصرى، فضلًا عن قيمتها الأثرية، حيث تجمع بين التاريخ القديم وروحانية الأماكن الدينية، ويحظى آل البيت بفضل خاص ومنزلة عالية في الإسلام. قال الله في القرآن: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا” (الأحزاب: 33)، هذا يشير إلى أنهم محبوبون عند الله ومطهرون من الذنوب، ويجب على المسلمين أن يحترموا آل البيت ويحبوهم، وأن يأخذوا عنهم في الدين والأخلاق لأنهم قدوة للمسلمين في العبادة والتقوى، ويجب أن يكون الاحترام لآل البيت متوازنًا، دون الوقوع في المبالغة أو الزيادة في تكريمهم ويجب أن يكون الاحترام مبنيًا على الحقيقة والعدالة.
ولكن يجب الانتباه إلي ان تقدير آل البيت لا يعني الإفراط فيهم والتعصب لهم، فالإسلام يدعو إلي التوازن، وعدم التجاوز في التقدير والإجلال ويجب أن يتذكر المسلمون أن التقدير والتقديس لآل البيت هو جزء من الإسلام الحقيقي الذي يدعو إلي المحبة والسلام والتسامح بين الناس، ولن يكون هناك مستقبل مشرق للأمه الإسلامية إلا إذا حافظنا علي هذا التراث وقيمه.
قال عليّ بن الحسين رَحِمه الله وكان أفضل هاشمي في زمانه: “أيها الناس أحبونا بحب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارًا” ليس حب آل البيت عارا، ولكن لكثرة ما وضع له من الزور والكذب عليهم فردا فردا روايات لا يصدقها مجنون فضلا عن عاقل أصبح حب آل البيت عارا بسببها، ونِعْم حب آل البيت عند أهل السنة، إنه حب الإسلام الذي نشده علي بن الحسين رَحِمه الله.