كتب /مصطفى أحمد .
لآل بيت رسولنا الكريم كرامات لاتعد ولا تحصى والكرامة ما يكرم الله عز وجل أولياءه الصالحين من أنبياء وأئمة ومؤمنين مما يكون خارقاً للعادة، والكرامة تدلّ على علو المقام للشخص الذي تحدث له، وتدلّ على عمق اتصال محدثيها بالله عز وجل، وكثرة الكرامات في أمة نبينا محمد صلى الله عليه وآله بعد مماته ما هي إلا كرامة عظيمة بحدّ ذاتها؛ وذلك لإثبات أن الدين الإسلامي هو دين الحقّ، وكرامات أمته ما هي إلا دليل على أحقيته وخلوده إلى يوم يبعثون.
فشهد التاريخ علي كرامتهم رضى الله عنهم عبر العصور ومن إحدى كرامات الإمام جعفر الصادق ‘عن الليث بن سعد قال: حججتُ سنة ثلاث عشرة ومائة فلما صليتُ العصر في المسجد رقيتُ أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو فيقول: يا رب يا رب يا رب حتى انقطع نفسه، ثم قالَ: رب رب رب حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا حي يا حي يا حي حتى انقطع نفسه ثم قال: يا رحيم حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا أرحم الراحمين حتى انقطع نفسه ثم قال: إلهي إني أشتهي العنب فأطعمنيه، اللهم إنَّ بردي قد أخلق فألبسني.
قال الليث: فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبًا وليس على الأرض يومئذ عنب، وإذا ببردين موضوعين لم أرَ مثلهما في الدنيا، فأراد أن يأكلَ فقلتُ: أنا شريكك فقال: ولم؟ قلت: لأنك دعوتَ وكنت حاضرا فقال: تقدم فكلْ فتقدمتُ فأكلتُ عنبًا لم ءاكل مثله قط – ما كان له عجم – فأكلنا حتى شبعنا ولم تتغير السلة، فقال: لا تذخر ولا تخبأ منه شيئًا، ثم أخذ أحد البردين ودفع إليَّ الآخر فقلتُ: أنا في غنى عنه فأتزر بأحدهما وارتدي بالآخر، ثم أخذ البردين اللذين كانا عليه ونزل وهما في يده، فلقيه رجل بالمسعى فقال: اكسني يا ابن رسولِ اللهِ كساكَ الله فإنني عريان، فدفعهما إليه فقلتُ للذي أعطاه البردين: مَنْ هذا؟ فقالَ: جعفر بن محمد بن علي الحسين بن علي بن أبي طالب قال الليث: فطلبته بعد ذلك لأسمع منه شيئًا فلم أقدر عليه.
وأيضا من كراماته سيد الشهداء رضى الله عنه’أنه خرج أخوان يريدان المزار فعطش أحدهما عطشا شديدا حتى سقط من الحمار و سقط الآخر في يده فقام فصلى و دعا اللّه ، كان يدعو حتى توسل فى دعائه بالامام جعفر الصادق صاحب وجهتهما، فلم يزل يدعو فاذا هو برجل قد قام عليه و هو يقول : يا هذا ما قصتك؟
فذكر له حاله فناوله قطعة عود، و قال : ضع هذا بين شفتيه، ففعل ذلك فاذا هو قد فتح عينيه و استوى جالسا و لا عطش به، فمضى حتى زار القبر، فلمّا انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدعاء المدينة فدخل على الصادق (عليه السلام) فقال له : اجلس ما حال أخيك؟ أين العود؟
فقال : يا سيدي انّي لمّا أصبت بأخي اغتممت غمّا شديدا فلمّا ردّ اللّه عليه روحه نسيت العود من الفرح.
فقال الصادق (عليه السلام) : اما انّه ساعة صرت إلى غم أخيك أتاني أخي الخضر فبعثت إليك على يديه قطعة عود من شجرة طوبى، ثم التفت إلى خادم له فقال له : عليّ بالسفط ، فأتى به ففتحه و أخرج قطعة العود بعينها ثم أراها ايّاه حتى عرفها ثم ردّها إلى السفط .
ومرورا بكرامات الامام السجاد على زين العابدين بن الحسين رضى الله عنهما’ أنه لمّا وَليَ عبدُالملك بن مروان فاستقامت له الأشياء، كتب إلى الحجّاج كتاباً وخَطّه بيده، كتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، مِن عبدالملك بن مروان إلى الحجّاج بن يوسف. أمّا بعد، فجنّبْني دماءَ بني عبدالمطّلب؛ فإنّي رأيتُ آل أبي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا بعدها إلاّ قليلاً، والسلام.
وكتب الكتابَ سِرّاً لم يُعلِم به أحداً، وبعث به مع البريد.. وورد خبر ذلك من ساعته على عليّ بن الحسين عليهما السلام وأُخبِر أنّ عبدالملك قد زِيدَ في مُلكهِ بُرهةً مِن دهره؛ لكفّه عن بني هاشم، وأُمِر أن يكتب إلى عبدالملك ويُخبرَه بأنّ رسول الله أتاه في منامه فأخبره بذلك، فكتب عليّ بن الحسين عليهما السّلام بذلك إلى عبدالملك بن مروان. ( الاختصاص للشيخ المفيد 314 ـ 315. الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 256:1 / ح 2 ـ وفيه: رُويَ أنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلى عبدالملك بن مروان: إنْ أردتَ أن تَثْبت في مُلْكك، فاقتلْ عليَّ بن الحسين. فكتب عبدالملك إليه: أمّا بعد، فجنّبْني دماءَ بني هاشم واحقنْها؛ فإني رأيتُ آلَ أبي سفيان لمّا أُوِلعوا فيها لم يلبثوا أن أزال اللهُ المُلْكَ عنهم. وبعثَ بالكتاب سرّاً إلى الحجّاج.
فكتب عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى عبدالملك في الساعة التي أنفذ فيها الكتاب: علمتُ ما كتبتَ في حقن دماء بني هاشم، وقد شكر اللهُ لك ذلك وثبّت ملكك وزاد في عمرك. وبعث به مع غلامٍ له بتاريخ تلك الساعة التي أنفذ عبدالملك فيها كتابه إلى الحجّاج، فلمّا قدم الغلام وسلّم إليه الكتاب.. نظر عبدالملك في تاريخ الكتاب فوجَدَه موافقاً لتاريخ كتابه، فلم يشكَّ في صدق زين العابدين عليه السّلام، ففرح بذلك وبعث إليه بوقر دنانير وسأله أن يبسط إليه بجميع حوائجهِ وحوائج أهل بيته ومَواليه..
ولا نأخذ من أمر الامام على بن موسى الكاظم (العلى الرضا)النسيان فهو العلوى الذى استجعلة المأمون العباسى وليا للعهد ‘فقد جاء عن كراماته’ أن الحاكم أبو عبد الله الحافظ قد روى بإسناده عن محمد بن عيسى عن أبي حبيب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وكان قد وافى المسجد الذي كان ينزله الحجاج من بلدنا في كل سنة وكأني مضيت إليه وسلمت عليه ووقفت بين يديه فوجدته وعنده طبق من خوص المدينة فيه تمر صيحاني وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولنيها فعددتها فوجدتها ثماني عشرة تمرة فتأولت أني أعيش بكل تمر سنة، فلما كان بعد عشرين يوم وأنا في أرض لي تعمر للزراعة إذ جاني من أخبرني بقدوم أبي الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم ونزوله بذلك المسجد ورأيت الناس يسعون له من كل جهة يسلمون عليه فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا فيه تمر صيحاني فسلمت عليه فرد السلام واستدناني وناولني قبضة من ذلك التمر فعددتها فإذا هي بعدد ماناولني رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ثمان عشرة تمر فقلت: زدني. فقال: لو زادك رسول الله صلى الله عليه وسلم لزدتك.
وتقتضي الحكمة أن يكون أصحاب الكرامات هم من نسله الشريف لإكمال مسيرته السماوية باعتبار أنهم أولى بدين جدّهم، وهذا لا ينفي أن تظهر الكرامات على يد سواهم ولكن تبقى الأفضلية لهم لقربهم من النبي صلى الله عليه وآله.