دور ال البيت في نهضة الحضارة الإسلامية يعود لأهمية دورهم الفكري والثقافي والسياسي. فهم كانوا مرجعية للمسلمين في العديد من الجوانب، سواء في تفسير القرآن والحديث، أو في الفقه والعلوم الشرعية. كما قاموا بدور بارز في نقل المعرفة والثقافة إلى العالم الإسلامي وخارجه.
في أغوار تاريخ الإسلام، تبرز بوضوح شخصيات عظيمة لها دور كبير في تحقيق النهضة الحضارية التي شهدتها المجتمعات الإسلامية. ومن بين هذه الشخصيات المباركة والتي لها مكانة خاصة تاريخية هي أسرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، المعروفة باسم ” آل بيت”. إن لهؤلاء الشخصيات المقدسة دوراً لا يُضاهى في ترسيخ قيم العدل والإنسانية والمحبة في قلوب المسلمين وتوجيههم نحو الرقي والتقدم. سنتناول في هذا التحقيق دور ال أل بيت في نهضة الحضارة الإسلامية، مستعرضين بتفصيل
تأثيرهم الفعّال في مختلف المجالات من العلم والفلسفة والأدب إلى السياسة والتربية. كما سنناقش تأثيرهم العميق في بناء الهوية الإسلامية وتعزيز التلاحم الاجتماعي، وكيف أن قيمهم وسلوكهم النبيل شكلت أساسًا قويًا للحضارة الإسلامية المتقدمة والمزدهرة. سنستعرض أيضًا تأثيرهم الحضاري على التطورات الثقافية والفكرية للعالم الإسلامي وتأثيرهم في بناء نظام قيم متين يستمد قوته من التسامح والتعايش والعلم. هذا البحث الشامل سيسلط الضوء على إرث ال أل بيت الرائع والمتنوع، وسيكون محاولة لفهم عمق الدور الذي لعبوه في بناء الحضارة الإسلامية وتأثيرهم اللاحق مسار التاريخ الإنساني
**دور ال البيت في بناء الهوية الاسلامية
ولفت إلى أنّ للإمام علي (عليه السلام) دورًا كبيرًا في الحفاظ على الهوية الاسلامية من خلال تجسيد النموذج الأسمى للهوية الانسانية والإسلامية، فعندما اعتقد الأعداء أنّه الانموذج الذي انفرد بكل المؤهلات التي تجعله حافظا للنظام والأسس ومعالم الهوية الإسلامية، كرّسوا جهدهم في النيل من هذه الشخصية حتى شرعوا بسبّه عـلى المنابر لقرون عدّة، من جملة الصراعات التي اعقبت وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) هو سلب الحقوق التي تمتع بها أهل البيت (عليهم السلام)، التي من خلالها يمكن تطبيق أحكام الله وبسط الهوية الإسلامية في بقاع الأرض الأخرى من خلال الصفات والمميزات التي امتازت بها الهوية الإسلامية وبما تمتلكه من عناصر القوة والتأثير في الغير.
آل البيت هم عائلة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قاموا بدور هام في بناء الهوية الإسلامية. من بين القصص الدينية التي تبرز دورهم في بناء الهوية الإسلامية:
1. خدمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: كانت آل البيت من أقرب الناس إلى النبي محمد وأعظمهم تقديراً ومحبة. قاموا بنشر وتبليغ الإسلام وخدمة المسلمين بكل وفاء.
2. الإسلام كنظام اجتماعي وقيمي: قام أفراد آل البيت بتعزيز وتبني القيم الإسلامية في حياتهم اليومية، مما ساهم في بناء هوية إسلامية قائمة على العدل والرحمة والتسامح.
3. الدفاع عن الإسلام: قام أفراد آل البيت بالدفاع عن الإسلام وتحملوا المسؤولية في حماية المسلمين ودعمهم في مواجهة التحديات والاضطهاد.
4. الحكمة والعدل: تمتاز آل البيت بالحكمة والعدل، وقد قاموا بتطبيق مبادئ العدل والإنصاف في حكمهم، مما ساهم في تعزيز الهوية الإسلامية كمجتمع مترابط ومنسجم.
5. فضل الإمام علي بن أبي طالب: كان الإمام علي، وهو ابن عم النبي محمد، شخصية بارزة في تاريخ الإسلام. كان يعتبر من أوائل المسلمين وكان يتمتع بصفات الشجاعة والعدل والحكمة. قاد الإمام علي حكومة عادلة وعادلة خلال فترة الخلافة الراشدة، وكان له دور كبير في تعزيز القيم الإسلامية.
6. الدفاع عن الإسلام: قام أفراد آل البيت بالدفاع عن الإسلام في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية. يعتبر استشهاد الإمام الحسين في معركة كربلاء واحدًا من أبرز الأمثلة على هذا الدفاع والتضحية من أجل الإسلام والعدالة
هذه القصص تبرز أهمية آل البيت في بناء الهوية الإسلامية وتعزيز القيم الإسلامية في المجتمع الإسلامي.
**تاثيرهم الحضاري علي التطورات الثقافية والفكرية للعالم
يعتبر الفضلي في كتابه هذا أنّ الإمام علي(ع) كان المسؤول الأوّل عن الإسلام بعد النبي (ص) وقد عمل على تفهيم المبدأ والإيمان به على المستوى النّظري والعملي. فقام بإنشاء دور التّعليم وكوّن التّلامذة الّذين توزّعوا في مختلف أنحاء البلاد الإسلاميّة آنذاك.
كما أنّ الإمام كان الشّخصيّة الوحيدة الّتي قامت بوضع أسس العلوم الإسلاميّة من علم قراءات القرآن، التّوحيد والعقيدة، والنّحو على حد سواء. أمّا على النّحو العملي فقد كان من أهم مقوّمات الإسلام الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، إضافة إلى المحافظة على أموال المسلمين، واعتماد الكفاءة، والأمانة، والنّزاهة كمعايير للتوظيف في الحكومة الإسلاميّة.
“في واقع الأمر إنَّ الحضارَة الإسلامية هي ثمرة الجهود المتواصلة للأمة الإسلامية منذ انبِثَاق الدعوة المُحمَّديَّة المباركة
ولقد كان للشيعة دور مؤثِّر في بنا صَرْح الحضارة الإسلامية الكبرى ، ويكفي تصفح الكتب المؤلَّفة في العلوم والحضارة الإسلامية لنرى كيف تَلمَعُ فيها أسماء عُلَماء الشيعة ومُفَكِّرِيهِم .
علم الأدب :
ففي مجال الآداب العربية والعلوم الإنسانية يكفي أن نعرف أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو مؤسِّسُها الأول ، وأن تلميذه أبا الأسود الدؤلي هو الذي عمل على توسعتها وتدوينها .
وقد واصل علماء الشيعة – بعد ذلك – الجهود الحثيثة في سبيلها ، كالمازني ، وابن السكَّيت ، وأبي إسحاق النحوي ، وهم من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، والخليل ابن أحمد الفَراهيدي ، وابن دُرَيد ،والصاحب بن عبَّاد ، وغيرهم من الأدباء الشيعة الذين كان كلّ واحدٍ منهم قُطباً من أقطاب اللغة والنحو والصرف والشعر وعلم العَرُوض في عصره .
علم التفسير :
وفي علم التفسير فالمرجع الأول لتفسير القرآن الكريم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو – أيضاً – الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وبعده أئمة أهل البيت ( عليه السلام ) ، ومن بعدهم ( عليهم السلام ) عبد الله بن عباس وغيره من تلامذة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وقد ألَّفَ عُلماء الشيعة طوال أربعة عشر قرناً مِئات التفاسير المتنوعة حَجْماً وكَيفاً ومنهَجاً .
علم الحديث :
وفي علم الحديث تقدَّمت الشيعة على غيرهم من الفرق الإسلامية في تدوين السنَّة ، وكتابتها ، ودراستها ، على حين كان ذلك ممنوعاً في عصر الخُلَفاء .
ويمكن الإشارة في هذا الصعيد إلى عبيد الله بن أبي رافع ، ورَبِيعَة بن سميع ، وعلي بن أبي رافع ، وهم من أصحاب الإمام علي ( عليه السلام ) ، ثم إلى أصحاب وتلامذة الإمام السجاد والباقر والصادق ( عليهم السلام ) .
علم الفقه :
وفي مجال الفقه تَخرَّج من مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) علماء ومجتهدون كِبار ، كأبَّان بن تَغلُب ، وزُرَارة بن أعيُن ، ومحمد بن مسلم ، وكذلك مِئات المُجتهدين الكبار والعلماء المُحقِّقين كالشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وابن إدريس الحِلِّي ، والمُحقِّق الحِلِّي ، والعلاَّمة الحلِّي ، الذين خَلَّفوا آثاراً علمية وفكرية في غاية الأهمية .
علم الكلام والفلسفة :
هذا كله في مجال العلوم النَّقليَّة
** تأثيرهم في بناء قيم تستمد قوتها من التسامح
كان ال البيت لهم دور ف بناء مجتمع قائم علي قيم التسامح ولم يكونوا كذالك الا بتعليم من نبي الله محمد صلي الله عليه وسلم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)
التسامح والعفو خلق عظيم، وهو أفضل ـ بالتأكيد ـ من الأخذ بالحق والانتصار للنفس، لقول الله تعالي: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(الشُّورى:40)، قال ابن كثير: “فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو.. ولهذا قال هاهنا: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ}”.
فالعفو والتسامح هو الأفضل والأَوْلى دائماً إلا إذا ترتب عليه ما ليس محموداً فيكون عدمه أولي، وقد يتعين عدم العفو إن ترتب على العفو أمر محرم شرعاً، قال الشنقيطي: “الانتقام له موضع يحسن فيه, والعفو له موضع كذلك ..
إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل”.
ونبينا صلى الله عليه وسلم مع عظيم عفوه وجميل تسامحه كان يغضب للحق إذا انتُهِكَت حرماته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نِيل منه شيء قطُّ، فينتقم مِن صاحبه، إلا أن يُنْتَهك شيء مِن محارم الله، فينتقم لله عزَّ وجلَّ) رواه مسلم. قال النَّووي: (قولها: (إلَّا أن يُنْتهك شيء مِن محارم الله) استثناء منقطع، معناه: لكن إذا انتُهِكت حُرْمة الله، انتصر لله تعالى، وانتقم ممَّن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديث الحثُّ على العفو والحِلْم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى مِمَّن فعل محرَّماً أو نحوه، وفيه أنَّه يُسْتحبُّ للأئمَّة والقُضَاة وسائر وُلاة الأمور التَّخلُّق بهذا الخُلُق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله تعالى”.
وقال ابن عثيمين: “حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحداً – لا خادماً ولا غيره – بيده، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله، وهذا مِن كرمه صلى الله عليه وسلم، أنَّه لا يضرب أحداً على شيءٍ مِن حقوقه الخاصَّة به، لأنَّ له أن يعفو عن حقِّه، وله أن يأخذ بحقِّه. ولكن إذا انتُهِكت محارم الله، فإنَّه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشدَّ ما يكون أخذاً بها، لأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يُقرُّ أحداً على ما يُغضِب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي مِن أحوال النَّاس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلَّا إذا انتُهِكَت محارم الله، فإنَّه لا يقرُّ أحدًا على ذلك”..
وقد قال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(الحجر:85): “هو الصفح الذي لا أذية فيه بل يقابل إساءة المسيء بالإحسان، وذنبه بالغفران، لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب، فإن كل ما هو آت فهو قريب، وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا، وهو: أن المأمور به هو الصفح الجميل، أي: الحَسن الذي قد سلم من الحقد والأذية القولية والفعلية، دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة، كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة، وهذا هو المعنى”.
التسامحُ خلق نبوي كريم، وهو دُرَّة السَّجايا والأخلاق، ويزيد صاحبه عزاً كما قال صلى الله عليه وسلم: (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) رواه مسلم. وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الأول على حُسن ومكارم الأخلاق، والتي منها التسامح والعفو، والحلم والصبر، وترك الغضب والانتصار للنفس، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا عُقبة! صِلْ مَن قطعك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَك) رواه أحمد وصححه الألباني. وقال ابن تيمية: “الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، فإنه كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم”.
وقد كان التسامح والعفو النبوي مع استطاعته صلى الله عليه وسلم البطش والانتقام ممن أساء إليه، لكنه كان كما قال الله تعالى له: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}(المائدة:13)
يعفو ويصفح قادراً عمَّن جَنى عملاً بقول الله فاعف واصفح…